اللَّيل وسَماه
"اللَّيل وسماه،
ونجومه وقمره،
قمره وسهره..."
غَفَتْ "سعاد" في حضْنِ أُمِّها وهي تَسْتَمِعُ إلى هذِهِ الأغْنيَةِ الَّتي تُحِبُّها كَثيرًا.
وَطارَتِ الفَتاةُ في حُلْمِها إلى تلكَ السَّماءِ وذلك القَمَر.
"مساءُ الخَيْرِ أيُّها القَمَرُ"، قالَتْ "سعاد"، فابْتسَمَ القَمَرُ. ثُمَّ نَظَرَتْ مِنْ حَوْلِها. أَيْنَ النُّجومُ؟ أَيْنَ تِلْكَ النِّقاطُ المُتَلأْلِئَةُ الَّتي تَمْلأُ سَماءَ الصَّيْفِ بِشُعاعِها؟ لَمْ تَجِدْ فَتاتُنا أَضواءً ولا شُعاعًا.
- أَيْنَ نُجومُكَ يا قَمَر؟
- نجومي أَنا؟ لَيْسَتِ النُّجومُ نجُومي يا "سعاد"... يَبْدو لي أَنَّكِ كُنْتِ نائِمَةً في حصَّةِ الجغرافيا البارِحَةَ!
- كَيْفَ عَرَفْتَ ذلك؟ ضَحِكَتْ "سعاد"، مع أنَّها كانَتْ تَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنَ الخَجَلِ.
- وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ في أَيّامِنا هذِهِ يَجْهَلُ أَنَّني مُجَرَّدُ قَمَرٍ يَدورُ في فلكِ الأَرْضِ، بَيْنَما النُّجومُ هِيَ شُموسٌ تَفوقُني حَجْمًا وإشْعاعًا!
- كَيْفَ يَكونُ صَحيحًا، وَأَنْتَ في عيْنَيَّ أَكْبَرُ وَأَجْمَلُ مِنْ كُلِّ النُّجومِ؟
- يَبْدو أَنَّكِ شاعِرَةٌ يا صَديقَتي، أَوْ أَنَّكِ تَسْتَمِعينَ إلى الكَثيرِ مِنَ الأَغاني. لا ضَيْرَ مِنْ ذَلِك. ولكِنْ، إذا كُنْتِ تُريدين مَعْرِفَةَ الحَقيقَةِ، يَجِبُ ألّا تَثِقي دائِمًا بِعَيْنَيْكِ، فَهُما غالِبًا ما تَقَعا ضَحِيَّةَ الأَوْهام.
- الأَوْهام؟
- نَعَمْ، الأَوْهامُ البَصَرِيَّةُ. أَنْتِ تَرَيْنَني أَكْبَرَ لأَنَّني أَقْرَبُ إلى الأَرْضِ، في حينِ أَنَّ أَقْرَبَ نَجْمَةٍ إلى مجموعَتِنا الشَّمْسِيَّةِ هِيَ القَنْطور، وَهِيَ تَبْعُدُ عنّا مَسافَةَ 4،36 سَنَة ضَوْئيَّة!
- وَما هِيَ السَّنَةُ الضَّوْئيَّة؟
- إنَّها المَسافَةُ الَّتي يَجْتازُها الضَّوءُ خِلالَ سَنَةٍ واحِدَة.
- يا لَطيف! هذا يَعْني أَنَّني لَنْ أَسْتَطيعَ أَنْ أُسَلِّمَ عَلى النُّجومِ اللَّيلة...
- لَيْسَ اللَّيلة! ولكنْ، تَسْتَطيعينَ أَنْ تُجَرِّبي الاِقْتِرابَ مِنْ كَواكِبِ مَجْموعَتِنا. ماذا لَوْ زُرْتِ الزُّهْرَةَ مثلًا؟ إِنَّها أَقْرَبُ الكَواكِبِ إلى الأَرْضِ، وَقَدْ تَكونُ عَلى مَسافَةِ 42 مِلْيونَ كلم فَحَسْب! وَفي أَقْصى الحالاتِ يُمْكِنُ أَنْ تَبْعُدَ 257 مِلْيونَ كلم.
- أَنْتَ تَمزَحُ مِنْ دونِ شَكٍّ! وَكَيْفَ تَتَغَيَّرُ المَسافَةُ بَيْنَ الزُّهْرَةِ وَالأَرْضِ؟
- إِنَّها مَسْأَلَةٌ بَسيطَةٌ، فَكِلا الكَوْكَبَيْنِ يَدورانِ حَوْلَ الشَّمْسِ، مِمّا يَعْني أَنَّ مَوْقِعَهُما يَتَغَيَّرُ في أَثْناءِ كُلِّ دَوْرَةٍ.
- طَيِّب... ولكنْ، هَلِ الزُّهْرَةُ كَوْكَبٌ جَميلٌ حَتّى يَسْتَأْهِلَ زَيارَتي؟
- الجَمالُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ يا "سُعاد"، وَأَنا بِصِفَتي جُرْمٌ سَماويٌّ لا مَعْرِفَةَ لي بِشُؤونِ الجَمالِ.
كُلُّ ما أَسْتَطيعُ قَوْلَهُ هُوَ أَنَّ اسْمَ "الزُّهْرة" يَعْني "البَياض النَّيِّر". وَقَدْ سُمِّيَ جارُنا كَذَلِكَ بِسَبَبِ انْعِكاسِ كَمّيَّةٍ ضَخْمَةٍ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ عَلَيْهِ لِكَثافَةِ غِلافِهِ الجَويِّ...
- أففف... لَقَدْ أَرْهَقَني الاِسْتِماعُ إِلَيْكَ أيُّها القَمَر. وَلَكِنْ عَلى الأَقَلِّ سَيَكونُ عِنْدي ما أَقولُهُ لِمُدَرِّسَةِ الجُغرافيا، غَدًا!
"ما بِكِ تَتَأَفَّفينَ في نَوْمِكِ يا "سعاد"؟" اسْتَيْقَظَتِ الفَتاةُ عَلى صَوْتِ أُمِّها القَلِقِ، وَقَدْ حانَ وَقْتُ ذَهابِها إلى المَدْرَسَةِ. في ذَلِكَ اليَوْمِ، نالَتْ "سعاد"، للمَرَّةِ الأولى، درجَةَ "جيّد جدًّا" في الجغرافيا. وفيما كانَتِ المُدَرِّسَةُ تُوَزِّعُ المُسابَقاتِ، سَأَلَتْها أَمامَ الجَميع:
- لماذا لا تُخْبِرينَ رِفاقَكِ عَنِ التِّقَنِيَّةِ الَّتي اسْتَخْدَمْتِها لِحِفْظِ كُلِّ تِلْكَ المَعْلوماتِ؟
- الأَمْرُ بَسيطٌ جِدًّا، لَقَدِ اسْتَمَعْتُ إلى أمِّ كلثوم.
ثُمَّ بَدَأَتْ تُدَنْدِنُ بِصَوْتٍ خافِتٍ:
"اللَّيل وسماه،
ونجومه وقمره،
قمره وسهره،
وإنت وأنا..."